تراجع القوة الانتخابية مع توقع تراجع القوة الاقتراعية عند المسيحيين
اعتماد قانون القضاء سيبتلع زيادة النمو الانتخابي وسيرفع نسبة التهميش
فكرة مشروع قانون انتخابي (على مراحل) يؤمن عدالة التمثيل ويؤسس لإلغاء الطائفية
منذ انتخابات العام 2005، التي جرت على أساس قانون العام 2000، يعاني اللبنانيون، وخاصة المسيحيون منهم، من مشكلة عدم صحة التمثيل النيابي وسوء تقسيم الدوائر الانتخابية التي أسهمت بشكل كبير في تهميشهم انتخابياً وحرمان ناخبيهم من حق القدرة المباشرة على انتخاب من يمثلهم في الندوة النيابية، الأمر الذي أوقعهم في أسر الفوارق العددية "غير المتكافئة" بين الناخبين المسلمين والناخبين المسيحيين في العديد من الدوائر الانتخابية، والذي أفرز، بنتيجته النهائية، أسراً أو قبضاً على قسم كبير من القرار النيابي "الرسمي" للمسيحيين، والذي يتناقض إلى حد بعيد مع المزاج السياسي العام للقاعدة الانتخابية المسيحية.
هذا ما كان، وهذا ما ارتفعت بسببه الأصوات المسيحية للمطالبة بقانون انتخابي عادل بحقهم وبحق ما يؤمنون بأنه سيؤمن لهم نسبة أعلى من التمثيل الصحيح، وبأنه سيرفع عنهم قسماً لا بأس به من ضيم التهميش الانتخابي. فكان لهم ما أرادوا، واتفقوا مع الشركاء في الوطن على العودة إلى قانون العام 1960 على أساس القضاء، مع بعض التعديلات، والتي تكرس أولها في اتفاق الدوحة (إعادة تقسيم دوائر بيروت).
لكن، ما لم يكن في الحسبان، أن ما ارتفعت الأصوات المسيحية لأجله، وظنت أنها حصلت عليه، لن يحقق الهدف منه، وهذا ما أثبتته الدراسة التفصيلية لأعداد الناخبين من الطوائف الناخبة كافة (مع الزيادات المتوقعة للعام 2009)، ولتوزيع المقاعد ضمن التقسيم الجغرافي للدوائر الانتخابية المزمع اعتمادها في قانون الانتخابات على أساس القضاء في الدورة المقبلة. وهي أظهرت "مع الأسف الشديد" زيادة في معدل التهميش الانتخابي لدى الفئتين الإسلامية والمسيحية، وكان لافتاً أن مطالبة القادة المسيحيون بهذا القانون وتقسيماته انتجت تهميشاً انتخابياً "ذاتياً" عند المسيحيين بنسبة اكبر من المسلمين، (لجهة تأثير التهميش على القوتين الانتخابية والاقتراعية)، حيث تركت أعداداً كبيرة من الناخبين في دوائر انتخابية ليس فيها ممثلون عنهم ليقترعوا لهم، حيث إن الممارسة الطائفية للانتخاب ما زالت مسيطرة في لبنان بشكل كبير، فكيف إذا صادف أن دائرته الانتخابية لا تعنيه انتخابياً بالمقياس الطائفي القائم حالياً، ولهذا تمت تسميته "مهمش" وبموافقة من زعماء طائفته أياً كانت.
أما استعمال وصف "التهميش الانتخابي"، فذلك لأنه فعل إرادي يصدر عادة عن الفريق المقابل أو المسيطر على واقع ما، أما أن يحظى بمطالبة وموافقة من الفريق الذي يعاني منه، ولأسباب غير واضحة وغير مبررة، فتلك هي الكارثة بعينها، إذ أن الهدف -المفترض- من المطالبة بقانون انتخابي عادل هو حصول الناخب اللبناني على الفرصة والحافز المشجع الذي يقنعه بأنه عندما يتوجه إلى صندوق الاقتراع فإنما هو قد يؤثر بصوته في النتائج المحتملة وإن لم ينجح في فهو يعتبره -على الأقل- رسالة إلى من يهمه الأمر، وهذا فعلاً ما لا يسمح بوصف أي قانون فيه تقسيمات انتخابية على النحو الذي درجت عليه العادة في لبنان بـ "العادل" ولا حتى "شبه عادل".
ولن يستحق هذا الوصف "العادل" لأي قانون انتخابي إذا لم يؤخذ بعين الاعتبار ضرورة اعتماد (لبنان دائرة انتخابية واحدة).
ما سبق شرحه، إنما يؤكد على فشل المعنيون في العمل على رفع معدل القوة الاقتراعية للمسيحيين (التي ستشهد تراجعاً بحسب تقسيمات قانون القضاء 2009) مقابل القوة الاقتراعية للمسلمين التي تشهد استقراراً إلى حد كبير).
ولتبيان حقيقة ما سبق ذكره، نورد وبالأرقام التحليل التالي:
بداية وكأساس للمقارنة والتحليل، لا بد من العودة إلى الأرقام والخلاصات التي سجلتها نتائج انتخابات العام 2005 ومقارنتها مع الأرقام المتوقعة للعام 2009، راجع الجدول رقم (1):
انتخابات العام 2005
في انتخابات العام 2005 كانت القوة الانتخابية للمسلمين مقابل القوة الانتخابية للمسيحيين:
ويضاف إلى هذا الواقع غير المتكافىء، من الناحية العددية الإجمالية على مساحة الوطن، مشكلة التهميش التي طالت عدداً كبيراً من الناخبين وخاصة المسيحيين منهم بسبب سوء توزيع الدوائر الانتخابية في قانون الـ 2000، والذي أفرز حرماناً مباشراً لعدد كبير من الفرصة والحافز الانتخابيين، وفيما يلي تفصيله:
- عدد الناخبين المهمشين من المسيحيين والمسلمين معاً: 214000 ناخب
- عدد الناخبين المسيحيين في كل لبنان: 1234000، فيما عدد المهمشين منهم: 176200 ناخب (أي ما نسبته 14.28% من اجمالي الناخبين المسيحيين).
- عدد الناخبين المسلمين في كل لبنان: ،1776000 فيما عدد المهمشين منهم: 37800 ناخب (أي ما نسبته 2.13% من اجمالي الناخبين المسلمين).
المتوقع في انتخابات العام 2009
وبالانتقال إلى أرقام انتخابات العام 2009 (مع الزيادات المتوقعة)، نلاحظ ما يلي:
مجموع الناخبين المتوقع للعام: 3464068 ناخب.
- القوة الانتخابية للمسلمين مقابل القوة الانتخابية للمسيحيين ستكون:
زيادة 9.91% في معدل النمو "الانتخابي" عند المسلمين (119.15%) عن معدل النمو "الانتخابي" عند المسيحيين (109.24%).
تراجع في نسبة نمو القوة الانتخابية للمسيحيين مقابل المسلمين، إذ أنها ستصبح 38.91% بعد أن كانت 41%.
أما لناحية معدل التهميش الانتخابي فمن المتوقع أن يزداد في العام 2009 بسبب اعتماد القضاء كدائرة انتخابية، وهنا التفاصيل:
- سيبلغ عدد الناخبين المهمشين من المسيحيين والمسلمين معاً: 351337 ناخب (أي ما نسبته 10.14% من الإجمالي العام للناخبين المتوقع للعام 2009) وبنسبة نمو قدرها 164.19% عن العام 2005.، موزعة بين الفئتين على الشكل التالي:
- عدد المهمشين من المسيحيين: 247805 ناخب (أي ما نسبته 18.38% من اجمالي الناخبين المسيحيين) وبنسبة نمو قدرها 140.64% عن العام 2005.
- عدد المهمشين من المسلمين: 103572 ناخب (أي ما نسبته 4.89% من اجمالي الناخبين المسلمين) وبنسبة نمو قدرها 274.00% عن العام 2005.
وبالمقارنة نستنتج من الجدول رقم (1) أن التقسيمات الانتخابية الجديدة على أساس القضاء ابتلعت زيادة النمو الانتخابي ورفعت نسبة التهميش وحدّت من تنامي القوة الاقتراعية "خاصة للمسيحيين"، وهذه نتيجة توجب على المعنيين إعادة النظر فيما يقومون به.
أما الجدول رقم (2) فيظهر بما لا يقبل الشك حجم التهميش الواقع على عدد كبير من الناخبين اللبنانين وخاصة من الطوائف الصغيرة، والأرقام معبرة جداً وهي خير شاهد، فلا تعليق.
استنتاج
إن ما يجري حالياً هو اعتماد تقسيمات لتحسين معطيات بناء تحالفات جديدة تسمح بتأمين الفوز بمقاعد خسرها هذا الفريق أو ذاك، ولو على حساب حسن التمثيل وعدالته غير عابئة بزيادة عدد المهمشين، والذي من المتوقع أن ينعكس تراجعاً في الإقبال على ممارسة حق الاقتراع، وبالتالي تراجع القوة الاقتراعية للمسيحيين مقابل المسلمين والاستعاضة عنها بتحالفات هي أشبه بتحالفات العام 2005 بطريقة معكوسة ومتداخلة حسب الحاجة.
وهذا ما يوجب طرح السؤال عن العلاقة ما بين الناخب والنائب، وعن ولاء النائب، وعن أحقية النائب في تمثيله للأمة جمعاء؟ ويطرح إشكالية كبيرة هي (كيفية التوفيق بين الوسيلة الصغرى والنتيجة الكبرى).
اقتراح
إن صيغة القانون الانتخابي التي سأطرحها هي في هدفها العام "وطنية"، مع أنها في البداية ستمارس بنسبة عالية، وذلك حسب الثقافة "المُرتدة للطائفية" والمسيطرة حالياً، بما يُشبه صيغة انتخاب كل طائفة لنوابها، ولكنها مع الوقت ستؤتي ثمارها الوطنية بفعل العمل الجاد والمطلوب -بشكل خاص- من هيئات المجتمع المدني أن تعززه على كامل الأراضي اللبنانية لإعادة الاعتبار إلى "المواطنية" التي تبني "وطناً" لا خوف فيه أو عليه.
ولأن القانون الانتخابي الذي يضمن انتخاب مجلس نيابي بتمثيل عادل عن الشعب لممثلين معروفين منه وليسوا مفروضين عليه من طريق اللوائح المُعلبة، وأيضا يكسر قيد الاحتكار الطائفي ويسمح بدخول وجوه جديدة -ربما تكون أكثر وطنية من الطبقة السياسية الحالية- إلى الندوة النيابية في كل دورة انتخابية، هو القانون المبني على قاعدة (انتخب من تعرف، لتعرف من تحاسب) والذي يعتمد على مبدأ: صوت واحد لكل مقترع (One Man, One Vote) في لبنان دائرة انتخابية واحدة،ولحماية واحترام مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين يفوز بالمقاعد النيابية (أول 64 مرشحاً من الطوائف الإسلامية) وكذلك (أول 64 مرشحاً من الطوائف المسيحية) الذين نالوا العدد الأعلى من أصوات المقترعين كافة وحسب التوزيع العددي المعتمد لكل طائفة منهما. فهي الصيغة الانتخابية الوحيدة التي تجعل من النائب يمثل الأمة جمعاء، إذ أنه سينتخب -على الأقل وفي أسوأ الأحوال- من أبناء طائفته كافة أينما انتشروا على كامل الأراضي اللبنانية، وتعيد العلاقة الوطنية المفقودة، وخاصة مناطقياً، بين النائب والناخب، وتخلق الخوف من المحاسبة لدى النائب عند ترشحه في الدورة التالية.
هذا في المبدأ، ولكن وبما أن الجميع يعلم بأن الطبقة السياسية المتحكمة بواقعنا اليوم، لن تسمح باعتماد هكذا قانون، فقد يكون "من الواجب" على هيئات المجتمع المدني، القيام بحملة وطنية شاملة للضغط على أولي الأمر باتجاه إطلاق عملية إلغاء الطائفية السياسية من خلال قانون انتخابي على مراحل، بالاستناد إلى المادة 27 من الدستور اللبناني (عضو مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء ولا يجوز أن تربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه).
ففي ظل التوافق المبدئي والمعلن على اعتماد قانون العام 1960، على أساس القضاء، مع بعض التعديلات، فإن الحاجة أصبحت "ماسة جداً" -ولو من باب أضعف الإيمان- ممارسة أكبر الضغوط الممكنة لفتح الباب أمام خطوة "جريئة" باعتماد (خليط) يتألف من قسم أول وهو قانون القضاء (الأكثري)، وقسم ثانِ -ذو مراحل متتالية- وهو قانون (صوت واحد لكل مقترع - One Man, One Vote)، في لبنان دائرة انتخابية واحدة، لعدد محدود من المقاعد -كمرحلة أولى- لا يتجاوز نسبة الـ (17%)، أي 22 مقعداً من عدد مقاعد المجلس النيابي مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.
مع حق كل طائفة أن تقوم باختيار المقاعد التي ترغب بإحالتها إلى القسم الثاني من قانون الانتخاب، خاصة تلك التي تجد فيها أن لا دور فاعل لها في انتخاب ممثليها، حيث يتم استبدال الخوف من خسارتها للأسباب المعروفة والمجحفة بحق بعض الطوائف، بأن توضع في العهدة الوطنية الشاملة، واعتبارها اختباراً جدياً لمدى تفاعل أبناء الطوائف مع المفهوم الوطني للتمثيل النيابي.
وقد يشكل التوزيع التالي -من باب الاقتراح كبداية- توازناً مقبولاً بين الطوائف كافة وبين الفئتين المسيحية والإسلامية، على أن يفتح باب ترشيح خاص لهذه المقاعد، وأن يفوز المرشحون - حسب العدد المحدد لكل طائفة- الذين نالوا العدد الأعلى من الأصوات -تنازلياً- من كافة الطوائف على كامل الأراضي اللبنانية:
سنة (4) مقاعد، شيعة (4) مقاعد، دروز (2) مقعدان، علويون (1) مقعد، (أي ما مجموعه 11 مقعداً للطوائف الإسلامية).
على أن يزيد عدد المقاعد في في الدورات الانتخابية التالية، وبالتساوي في المناصفة، إلى أن يعتمد قانون لبنان دائرة انتخابية واحدة لجميع المقاعد (صوت واحد لكل مقترع - One Man, One Vote).
ويمكن ممارسة حق الصوت الواحد لكل مقترع، على أساس لبنان دائرة واحدة، في الوقت نفسه الذي يمارس فيه حقه الانتخابي في القسم الأول (القضاء-الأكثري) في صندوق إقتراع مستقل، (على غرار الطريقة نفسها للانتخابات البلدية والاختيارية)، على أن توضع صناديق القسم الثاني من القانون في عهدة خاصة -يُتفق بشأنها- وتفتح بعد نهاية العملية الانتخابية في الأقضية كافة في كل لبنان.
والهدف من هذا الاقتراح (الممرحل)، هو عدم إثارة الرعب في نفوس الزعامات التقليدية والخوف من حكم الشعب الفوري والمباشر، ودفعهم إلى إعادة التفكير في أسس بناء "الزعامة" على معايير أكثر ارتباطاً بمصالح الشعب على كامل مساحة الوطن وليس في مناطق جغرافية-طائفية، واعتباره خطوة جدية "جداً" على طريق بناء الدولة "المدنية"، وأيضاً إيجاد مساحة، ولو صغيرة كبداية، لظهور طبقة نيابية وسطية تلعب دوراً ايجابياً وتوفيقياً وحاسماً في مختلف الظروف وحسب الحاجة الوطنية، وحافزاً مشجعاً لممارسة مبدأ المحاسبة المباشرة من الناخب للنائب، وكذلك لغير الملتزمين حزبياً أو المعتدلين من أبناء الوطن لانتخاب من يُمثلهم من خارج المفهوم الطائفي للتمثيل النيابي. الذي يؤمن في حال نجاحه مدخلاً لتعميم القسم الثاني من القانون في المستقبل القريب والخلاص من منطق التقسيمات والدوائر الانتخابية.
ومن الأهداف المرجوة في مرحلة قريبة، خلق ما يشبه 128 حزباً نيابياً "وطنياً"، يتغير رئيس أي منها كلما قرر أعضاؤه "ناخبيه" أنه فشل في تحقيق ما انتخبوه لأجله. بحيث يصبح تداول السلطة قائماً بفعل الإرادة الشعبية المباشرة، وليس بفعل التحالفات والإستزلام لأي كان أو لأي خارج.
ألا يكفي لبنان تفرقة بسبب الطائفية السياسية والجغرافية، حتى تأتي التقسيمات الانتخابية على تنوعها من الدائرة الفردية إلى القضاء إلى المحافظة... لتكرس وتعمق الانقسام المناطقي-الطائفي إمعاناً في التفرقة بين اللبنانيين ودفناً لثقافة المواطنية، وكأن المطلوب أن يكون في لبنان دولاً بعدد الدوائر الانتخابية، فكيف نرفض التقسيم دستورياً ونمارسه انتخابياً، وبعدها نسأل كيف تولد الحروب ومن يغذيها ويمارسها؟
فهل يَسمو الزعماء، ويسمحوا للبنانيين بالانتساب إلى "المواطنية" وممارستها بدلاً من "الطائفية" ولو تدريجياً...؟
صحيح أن المهم هو حل الأزمة، ولكن الأهم يكمن في الخطوة الأولى باتجاه الحل الكامل وبناء الدولة والوطن.
لم ولن نفقد الأمل في انطلاق عملية إلغاء الطائفية السياسية، والأمل كبير جداً مع بداية عهد جديد، فهل من ينبري لحمل هذا اللواء؟
وكما قال المهاتما غاندي: (أولاً يتجاهلوك، بعد ذلك يسخرون منك، بعد ذلك يحاربوك، بعد ذلك تنتصر.)
هذا هو لبنان، وهذا هو شأن اللبنانيين في كل العالم، وكما يقول المثل اللبناني: "أكل العنب حبة حبة".